الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
لقد ذكر الله تبارك المسيح عيسى بن مريم عليه السلام في كتابه العزيز، وبين أنه عبد من عباد الله ورسول منه إلى البشرية في زمانه، وأنه من أولي العزم من الرسل، وفي هذا البحث يتناول أمور عدة منها:
أولاً: الآيات في رفع عيسى حياً:
1. قال تعالى: "إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ "[1].
وقال أكثر المفسرين: المراد بالوفاة هنا النوم، كما قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ...) [2]،
وقال تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا)[3]
قال الله تعالى: (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ) [4]
وفيها إخبار من الله تعالى أنهم لم يقتلوه ولم يصلبوه، ولكن شبه لهم، يعني القي شبهه على رجل من أتباعه أو من أعدائه، فأخذوه وقتلوه وصلبوه ظانين أنه عيسى، ثم بين الله تعالى الحق في ذلك وأنه رفعه إليه، وقد ذكر ابن ابي حاتم في تفسيره 4/1111 أثراً يدل على أن تلميذاً فداه بنفسه.
وقد علق ابن كثير في تفسيره 1/574 على هذا الأثر بقوله: وهذا صحيح الإسناد صحيح إلى ابن عباس.
.
قال تعالى في سورة النساء: (وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا)[5]، اختلف المفسرون في عودة الضمير في قوله (به) وقوله (موته) على من؟
قال بعض المفسرين، وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمننّ بعيسى وذلك حين ينزل الى الأرض قبل يوم القيامة، فحينئذ يؤمن به أهل الكتاب كلهم، لأنه يضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام، كذا قال الحسن رحمه الله تعالى.
الآيات الدالة على نزوله:
1- قوله تعالى: (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ)[10]
2- قوله تعالى: ( .... تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً ...)[11]
قال ابن جرير 6/420 ما نصه: قد كلمهم عيسى في المهد، وسيكلمهم إذا قتل الدجال، وهو يومئذ كهل، وهذا القول قاله عامة المفسرين، وقد وردت آثار تدل على رفعه وله ثلاث وثلاثون سنة، وأنه سيمكث في الأرض إذا نزل أربعين سنة.
2. قوله تعالى:
1- (وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا)[12]
إذا تقرر كما ذكرنا سابقاً، كون الضمير في قوله (قبل موته) لعيسى، وأنه حين ينزل لا يبقى أحد من أهل الكتاب الموجودين في ذلك الزمان إلا آمن به وصدقه، لأنه يضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام أو السيف.
2- قوله تعالى: (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ)[13]
وفي قراءة صحيحة (لَعَلَم)، أي وأن عيسى لعلم الساعة تعلم بنزوله فلا تشكنَّ فيها، بهذا فسرها الرسول ، إذاً فنزوله من أشراط الساعة، كما سيأتي في الحديث الحادي عشر الدال على ذلك.
أنظر: الأثر في أصول السنة صفحة 673 رقم 114
- اخرجه عبد الرزاق في تفسيره، (ق 133/أ)
- وابن جرير 25/54
¨ الأحاديث الواردة في نزول عيسى
1- أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : (والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خيراً من الدنيا وما فيها") هذا لفظ البخاري
2- أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله : كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم. واللفظ للبخاري.
3- أخرج مسلم عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله يقول: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى ابن مريم فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة.
4- أخرج مسلم عن ابن عمر، ذكر رسول الله يوماً بين ظهراني الياس المسيح الدجال: فقال: إن الله تبارك وتعالى ليس بأعور، ألا إن المسيح الدجال أعور عين اليمنى كأن عينه عنبة طافية[14]، قال، وقال رسول الله : أراني الليلة في المنام عند الكعبة، فإذا رجل آدم كأحسن ما ترى من آدم الرجال تضرب لمة[15] بين منكبيه، رجل الشعر يقطر رأسه ماء، واضعاً يديه على مكبي رجلين، وهو بينهما يطوف بالبيت، فقلت من هذا؟ فقالوا: المسيح عيسى ابن مريم ورأيت وراءه رجلاً جعداً قططاً[16] أعور عين اليمنى كأشبه من رأيت من الناس بأبن قطن[17]، واضعاً يديه على منكبي رجلين يطوف بالبيت فقلت: من هذا؟ قالوا: هو المسيح الدجال.
واستشكل كون الدجال يطوف بالبيت، وكونه يتلو عيسى ابن مريم، وقد ثبت أنه إذا رآه يذوب، والجواب عن ذلك:
1- الرؤيا المذكورة كانت في المنام ورؤيا الأنبياء حق
2- منع دخول الدجال مكة يكون في آخر الزمان عند خروجه
3- طواف الدجال لم يقع في رواية مالك في الموطأ
5- روى مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله أنه قال: والذي نفسي بيده ليهلنّ ابن مريم بفج الروماء حاجاً أو معتمراً أو ليثنينّهما.( مسلم رقم 216)
6- اخرج أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ينزل عيسى ابن مريم فيقتل الخنزير ويمحو الصليب وتجمع له الصلاة ويعطي المال حتى لا يقبل، ويضع الخراج، وينزل الرحماء فيحج منها أو يعتمر أو يجمعهما، قال وتلا أبو هريرة: (وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) [18]
7- اخرج أحمد عن أبي هريرة أن النبي قال: الأنبياء أخوة لعلات[19]،أمهاتهم شتى، ودينهم واحد، وإني أولى الناس بعيسى ابن مريم، لأنه لم يكن بيني وبينه نبي، وأنه نازل فاعرفوه، رجل مربوع (معتدل)، إلى الحمرة والبياض، عليه ثوبان ممصران[20] كأن رأسه يقطر، وإن لم يصبه بلل، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية ويدعو الناس الى الإسلام، ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام، ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال، ثم تقع الأمانة على الأرض حتى ترقع الأسود مع الإبل، والنمار مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات لا تضرهم، فيمكث أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون.
أخرجه أحمد رقم 9259، وأبو داود 4/117
وابن جرير 9/388 ، وابن حبان 8/277
والحاكم 2/595 وصححه ووافقه الذهبي وابن أبي شيبة 15/158
وصحح سند أحمد الشيخ أحمد شاكر، وكذا سند الطبري
8- أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: لا تقوم الساعة حتى تنزل الروم بالأعماق أو بدابق[21]، فيخرج اليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا قالت الروم، خلوا بيننا وبين الذي سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم، فيهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبداً، ويقتل ثلثهم – أفضل الشهداء عند الله، ويفتح الثلث لا يفتنون أبداً، فيفتحون قسطنطينية، فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علّقوا سيوفهم بالزيتون، إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهليكم، فيخرجون – وذلك باطل- فإذا جاءوا الشام خرج، فبينما هم يعدون للقتال، يسوون الصفوف، إذ أقيمت الصلاة فينزل عيسى ابن مريم فأمهم فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلوا تركه لذاب حتى يهلك ولكن الله يقتله بيده، فيريهم دمه في حربته.
9- أخرج أحمد عن ابن مسعود عن رسول الله قال: لقيت ليلة أسري بي ابراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، فتذاكروا أمر الساعة، فردوا أمرهم إلى ابراهيم فقال، لا علم لي بها، فردوا الى موسى، فقال: لا علم لي بها، فردوا أمرهم الى عيسى فقال: أما وجبتها فلا يعلم بها أحد إلا الله، وفيما عهد إليّ ربي عز وجل، أن الدجال خارج ومعي قضيبان فإذا رآني ذاب كما يذوب الرصاص، قال: فيهلكه الله إذا رآني، حتى إن الحجر والشجر يقول: يا مسلم، إن تحتي كافراً فتعال فاقتله، قال: فيهلكه الله، ثم يرجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم، فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، فيطئون بلادهم، فلا يأتون على شيء إلا أهلكوه، ولا يمرون على ماء إلا شربوه، قال: ثم يرجع الناس يشكونهم، فأدعوا الله عليهم فيهلكهم ويميتهم حتى يقذفهم في البحر، ففيما عهد إلى ربي عز وجل أن ذلك إذا كان كذلك أن الساعة كالحامل المتم، لا يدري أهلها متى تفاجئهم بولادتها ليلاً أو نهاراً.
10- أخرج أحمد عن أبي نضرة قال: أتينا عثمان بن أبي العاص في يوم جمعة لنعرض عليه مصحفاً لنا، فلما حضرت الجمعة، أمرنا فاغتسلنا، ثم أتينا بطيب فتطيبنا، ثم جئنا المسجد، فجلسنا الى رجل فحدثنا عن الدجال ثم جاء عثمان بن أبي العاص فقمنا اليه، فجلسنا فقال، سمعت رسول الله يقول: يكون للمسلمين ثلاثة أمصار، مصر بملتقى البحرين، ومصر بالحيرة، ومصر بالشام، ففزع الناس ثلاث فزعات، فيخرج الدجال في أعراض الناس، فيهزم من قبل المشرق، فأول مصر يرون المصر الذي بملتقى البحرين، فيصير أهلها ثلاث فرق، فرقة تقول: نقيم نشامه[22] ننظر ما هو، فرقة تلحق بالأعراب، وفرقة تلحق بالمصر الذي يليهم، ومع الدجال سبعون ألفاً عليهم السيجان[23] وأكثر من معه اليهود والنساء، وينحاز المسلمون الى عقبة أفيق[24]، فيبعثون سرحاً لهم، فيصاب سرحهم، فيشتد ذلك عليهم، ويصيبهم مجاعة شديدة وجهد شديد حتى أن أحدهم ليحرق وتر قوسه فيأكله، فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من السحر، يا أيها الناس، أتاكم الغوث ثلاثاً، فيقول بعضهم لبعض، إن هذا لصوت رجل شبعان وينزل عيسى ابن مريم عند صلاة الفجر، فيقول له أميرهم، يا روح الله، تقدم صل، فيقول: هذه الأمة أمراء بعضهم على بعض، فيتقدم أميرهم فيصلي حتى اذا قضي صلاته أخذ عيسى حربته، فذهب نحو الدجال، فإذا رآه الدجال ذاب كما يذوب الرصاص، فيضع حربته بين ثندوتيه[25] فيقتله، ويهزم أصحابه، فليس يومئذ شيء يواري عنهم أحداً حتى أن الشجرة تقول: يا مؤمن: هذا كافر، ويقول الحجر: يا مؤمن هذا كافر.
رواه أحمد 4/216، 217
والحاكم في المستدرك 4/478، وقال صحيح الإسناد على شرط مسلم
11- اخرج أحمد عن مجمع بن جارية، قال: سمعت رسول الله يقول: يقتل ابن مريم المسيح الدجال بباب لد-أو إلى جانب لد-
- رواه أحمد 3/420
- الترمذي 2244 وصححه وقال: حسن صحيح
- وابن ابي شيبة 15/161
- أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 19/444 رقم 1081
- وابن حيان في صحيحه كما في الاحسان 8/286 رقم 6772
12- أخرج أحمد من حديث حذيفة بن أسيد الغفاري قال: أشرف علينا رسول الله من غرفة ونحن نتذاكر الساعة، فقال: لا تقوم الساعة حتى تروا عشر أيات: طلوع الشمس من مغربها، والدخان والدابة، وخروج يأجوج ومأجوج، ونزول عيسى ابن مريم، والدجال، وثلاثة خسوف، خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، ونار تخرج من قعر عدن تسوق-او تحشر الناس، تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا.
- رواه مسلم في كتاب الفتن وإشراط الساعة باب: ذكر الآيات التي تكون قبل الساعة
- أحمد 4/7
- الترمذي 2183
- ابن ماجة 4075
- أبو داود 4311
- الطيالسي 1067
- مصنف بن أبي شيبة مختصراً 15/130 وتاماً 15/163
- النسائي في الكبرى 3/20
13- أخرج مسلم في صحيحه من حديث النواس بن سمعان الكلابي قال: ذكر رسول الله الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل، فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا، فقال: ما شأنكم؟ قلنا يا رسول الله، ذكرت الدجال غداة فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل، فقال: غير الدجال أخوفني عليكم إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج وليست فيكم فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، إنه شاب قطط، عينه طافية، كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف، أنه خارج خلة بين الشام والعراق، فعاث يميناً وعاث شمالاً، يا عباد الله فاثبتوا، قلنا يا رسول الله، وما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوما، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم.
قلنا يا رسول الله: فذلك اليوم الذي كسنة، أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا اقدروا له قدره، قلنا يا رسول الله، وما اسراعه في الأرض؟ قال: كالغيث استدبرته الريح، فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول، ما كانت ذُرى[26] وأسبغة ضروعاً[27] وأمدة خواصر.
ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمر بالخربة فيقول لها: اخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ثم يدعو رجلاً ممتلئاً شباباً فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين (قطعتين) رمية الغرض، ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك، فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح بن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، بين مهرودتين واضعاً كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلبه حتى يدركه بباب لد، فيقتله، ثم يأتي عيسى ابن مريم قوم قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة، فبينما هو كذلك، إذا أوحي الله الى عيسى أني قد أخرجت عباداً لي لا يدان لأحد بقتالهم، فحرز عبادي إلى الطور، ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية، فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرة ماء، ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيراً من مائة دينار لأحدكم اليوم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه، فيرسل الله عليهم النغف[28] في رقابهم، فيصبحون مرسى[29] كنفس واحدة ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله، فيرسل الله طيراً كأعناق البخت، فتحمهم فتطرحهم حيث شاء الله، ثم يرسل الله مطراً لا يكنّ منه بيت مدر ولا وبر، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة[30]، ثم يقال للأرض، انبتي ثمرتك وروي بركتك، فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة، ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرسل حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس[31]، فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحاً طيبة فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم، ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة[32].
- أخرجه مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة: باب ذكر الدجال وصفته وما معه.
- وأبو داود مختصراً 4321
- الترمذي 2240
- ابن ماجة 4075
- الحاكم 4/492 وقال صحيح على شرط مسلم والبخاري
- يقول ابن كثير رحمه الله: فهذه أحاديث متواترة عن رسول الله من رواية أبي هريرة، وابن مسعود وعثمان بن أبي العاص، وأبي امامة والنواس بن سمعان وعبد الله بن عمرو بن العاص ومجمع بن جارية وأبي سريحة حذيفة بن اسيد وفيها دلالة على صفة نزوله، ومكانه من أنه بالشام، بل بدمشق عند المنارة الشرقية وان ذلك يكون عند إقامة صلاة الصبح
- تفسير ابن كثير 1/582
¨ حليته وسيرته:
روى البخاري من حديث عقيل بن خالد أنه احمر جعد عريض الصدر، وفي رواية (آدم كأحسن ما أنت من آدم الدجال سيط الشعر ينطف – يقطر- له لِمّة ، بكسر اللام وتشديد الميم، كأحسن ما أنت راء من اللمم قد رجلها.
- ينزل وهو من أمة محمد ، وهو صحابي لأنه اجتمع به ليلة الإسراء وهو أفضل الصحابة، وقد الغز التاج السبكي في ذلك حيث يقول:
من با تفاق جميع الخلق أفضل من
خير الصحاب أبي بكر ومن عمر
ومن علي ومن عثمان وهو فتى
من أمة المصطفى المختار من مضر
- أخرج الشيخان والترمذي من حديث أبي هريرة قال في ذكر ليلة أسري به،ولقيت عيسى ونعته فقال: ربعة أحمر، كأنما خرج من ديماس _ أي حمام_
¨ أهم صفاته
1. ينزل واضعاً كفيه على أجنحة ملكين.
2. ينزل لابساً ثوبين ازاراً ورداء يميل لونهما إلى الصفرة
3. قامته معتدلة
4. ابيض مشرب بحمرة
5. شعر رأسه ناعم مسترسل وقد سرحها فظهر حسنها
6. ينزل في غاية النظافة
7. عريض الصدر
8. شاب ابن ثلاث وثلاثين
9. شبهه الرسول لأصحابه بعروة بن مسعود ذي البهاء الحسن
قال السيوطي في رسالته المسماة
الإعلام بحكم عيسى :
أنه يحكم بشرع نبينا لا بشرعه، نص على ذلك العلماء ووردت به الأحاديث وانعقد عليه الإجماع.
ومن ذلك قول النووي في شرح مسلم: ليس المراد بنزول عيسى أنه ينزل بشرع ينسخ شرعنا، ولا في الأحاديث شيء من هذا، بل صحت الأحاديث بأنه ينزل حكماً مقسطاً يحكم بشرعنا ويحيى من أمور شرعنا ما هجره الناس.
أخرج بن أبي شيبة في المصنف عن ابن سيرين قال: المهدي من هذه الأمة، وهو الذي يؤم عيسى ابن مريم عليهما السلام.
عن وهب بن منبه قال: ليجلسن عيسى ابن مريم على أعواد بيت المقدس قاضياً مقسطاً عشرين سنة.
وقد سبق رواية مسلم 4/2258 رقم 2940
من حديث عبد الله بن عمر مرفوعا: فيبعث الله عيسى بن مريم كأنه عروة بن مسعود، فيطلبه الدجال فيهلكه، ثم يمكث الناس سبع سنين.
عن كعب قال: إن الذين يقاتلون الدجال مع عيسى بن مريم وينجون معه من المسلمين اثنا عشر الفاً.
وفي رواية سبعة آلاف امرأة.
رواه أبو نعيم في الحلية 6/77
ووصف ابن حجر إسناده بالصحة، انظر فتح الباري 13/92