مما هو شائع حتى اليوم أن أول من أدرك قانون الجاذبية في التاريخ هو ( إسحاق نيوتن ) ، حيث اكتشف نيوتن أن ما يحدث فوق الأرض من جاذبية هو نفسه مايحدث في السماء من جاذبية بين الأجرام السماوية ، فحين سقطت فوق رأسه تفاحة نتيجة جاذبية الأرض استرعت انتباهه حالاً ، فقام لتوه بحساب قوة الجاذبية بين الأرض والقمر ، وبالتالي عرفنا خلال ذلك أوجه الشبه بين سقوط التفاحة وتحرك القمر في مداره حول الأرض ..
ومن غير شك فإن نظرية الجاذبية أو التأثير عن بعد تعتمد على هذا الارتباط .. لكن الغريب بالأمر أن نيوتن لم يكن أول من اكتشف ذلك . فقد سبقه بمئات السنين أربع علماء من أعلام الحضارة الإسلامية ..
تحدثوا عن الجاذبية بدقة وضوح ، ومن هؤلاء الذين استطعنا رصد اكتشافاتهم : ابن الحائك الهمذاني ، وابن الهيثم ، والخازن ، وابن ملكا ، و البيروني ...
- أما الهمذاني (الحسن بن أحمد بن يعقوب) فهو أول من تحدث في الجاذبية الأرضية ، وأول من قال أن الهواء إذا انقطع وخلا منه مكان ما تنعدم الحياة. وجاء حديثه عن الجاذبية في كتابه ( الجوهرتان العتيقتان المائعتان الصفراء والبيضاء في الكيمياء والطبيعة ) ، وقال فيه ..
(( فمن كان تحتها ( أي نصف الكرة الجنوبي ) فهو في الثبات في قامته كمن فوقها ، ومسقطه وقدمه على سطحها الأسفل كمسقطه إلى سطحها الأعلى ، وكثبات قدميه عليه : فهي بمنزلة حجر المعناطيس الذي تجذب قواه الحديد إلى كل الجوانب ، فأما من كان فوقها فإن قوته وقوة الأرض تجتمعان على جذبه ومادار به ، فالأرض أغلَب عليه بالجذب لأن القهر من هذه الحجارة لا يرفع العلاة ولا سفلة الحداد )) ..
وبهذا يكون الهمذاني هو القائل بقانون الجاذبية ويكون بذلك قد سبق نيوتن بأكثر من ثمانية قرون ..
- وشرح ذلك محمد بن عمر الرازي في أواخر القرن السادس الهجري قائلاً بأننا " إذا رمينا المدرة إلى فوق ، فإنها ترجع إلى أسفل ، ومن ذلك نعلم أن فيها قوة تقتضي الهبوط إلى أسفل ؛ لذا إذا رميناها إلى فوق أعادتها تلك القوة إلى أسفل " ..
- تناول البيروني قوى الجاذبية في كتابه القانون المسعودي ، فعنده " أن السماء تجذب الأرض من كل الأنحاء على السواء ، إلا أن جذبها لكتلة الأرض أشد من جذبها للأجزاء الأخرى خاصة إذا لم تكن هذه الأجزاء متصلة بالأرض أو كانت بعيدة عنها، فحينئذ لا تتمكن السماء من جذبها إليها لأنها تكون خاضعة لمجال جذب الأرض لها " ؛ وبذلك يشير إلى نوعين من الجاذبية هما : جاذبية السماء للأرض ، وجاذبية الأرض لما فوقها وحولها؛
فالشيء ينجذب إلى النطاق الذي يقع في مجاله وإن كان هو ونطاقه منجذبيْن بدورهما إلى جرم السماء ..
والبشر بحكم وجودهم على سطح الأرض فهم منجذبون إليها ، وهي بدورها منجذبة إلى السماء ، ويبلغ ذلك الجذب أقصاه في باطن الأرض من حيث تنطلق الجاذبية الأرضية و¸الناس على الأرض منتصبوا القامات على استقامة أقطار الكرة ، وعليها أيضًا تزول الأثقال إلى الأسفل ..
- والعالم الآخر الذي تكلم في أبحاثه عن الجاذبية هو عبد الرحمن الخازن ، الذي أوضح أن الأجسام تتجه في سقوطها إلى الأرض ، وقال : (( إن ذلك ناتج عن قوة تجذب هذه الأجسام باتجاه مركز الأرض )) ..
ورأى الخازن أن اختلاف قوة الجذب تتبع المسافة بين الجسم وهذا المركز ، فقال : (( إن التثاقل واتجاه قواه إلى مركز الأرض دائماً )) ..
- أما ابن ملكا البغدادي ، فقد تحدث عن التساقط الحر للأجسام ، يقول في ذلك : (( فكل حركة طبيعية فعلى استقامة )) ..
ويقول : (( ثم سماء بعد سماء كل في حيزه الطبيعي ،إلا أن هذه التي تلينا تسكن في أحيازها الطبيعية
وتتحرك إليها – إذا أخرجها مخرج عنها – حركة مستقيمة تعيدها في أقرب مسافة إليها على ما يرى )) ..
وكذلك أيقن ابن ملكا أنه لولا تعرض الأجسام الساقطة سقوطاً حراً لمقاومة الهواء لتساقطت الأجسام
المختلفة الثقل والهيئة بنفس السرعة ، وبذلك يكون ابن ملكا أول من نقض القول المأثور عن أرسطو طاليس
بتناسب سرعة سقوط الأجسام مع أثقالها ، وهو قول خاطئ ..
فيكون بذلك ابن ملكا والهمذاني والخازن و غيرهم من اوائل
علماء الحضارة الإسلامية الذين تكلموا في قانون الجاذبية الأرضية قبل اسحاق نيوتن بحوالي
خمسة قرون من الزمان