[b]الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله الحديث الذي يذكر فيه ان النبي صلى الله عليه وسلم سحره يهودي لبيد بن الاعصم حديث في اعلى درجات الصحة رواه الشيخان البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة وهو عندي لكنه دعا ودعا ثم قال يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال أحدهما لصاحبه ما وجع الرجل فقال مطبوب قال من طبه قال لبيد بن الأعصم قال في أي شيء قال في مشط ومشاطة وجف طلع نخلة ذكر قال وأين هو قال في بئر ذروان فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس من أصحابه فجاء فقال يا عائشة كأن ماءها نقاعة الحناء أو كأن رءوس نخلها رءوس الشياطين قلت يا رسول الله أفلا استخرجته قال قد عافاني الله فكرهت أن أثور على الناس فيه شرا فأمر بها فدفنت
وقد بين الواقدي السنة التي وقع فيها السحر : أخرجه عنه ابن سعد بسند له إلى عمر بن الحكم مرسل قال " لما رجع - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الحديبية في ذي الحجة ودخل المحرم من سنة سبع جاءت رؤساء اليهود إلى لبيد بن الأعصم - وكان حليفا في بني زريق وكان ساحرا - فقالوا له : يا أبا الأعصم ، أنت أسحرنا ، وقد سحرنا محمدا فلم نصنع شيئا ، ونحن نجعل لك جعلا على أن تسحره لنا سحرا ينكؤه . فجعلوا له ثلاثة دنانير
الا ان الحالة التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم بسبب السحر لم تؤثر على عقله ولاعلى قلبه لأنه معصوم من الله تعالى من جهة الوحي والتبليغ فلن تتعدى في اثرها جسده الشريف فقط والحكمة هي ان يرفع الله به درجة الثواب والقرب بصبره على المرض وكذلك تشريع لأمته في كيفية المعالجة من السحر حيث عولج بسورتي المعوذتين ففي رواية عمرة عن عائشة عند البيهقي في الدلائل " فكان يدور ولا يدري ما وجعه " وفي حديث ابن عباس عند ابن سعد " مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخذ عن النساء والطعام والشراب ، وفي رواية سحر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عائشة حتى أنكر بصره " وفي مرسل سعيد بن المسيب " حتى كاد ينكر بصره. وقد رد بن حجر عن شبهات المنكرين للحديث بقوله
قوله ( حتى كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله ) قال المازري : أنكر المبتدعة هذا الحديث وزعموا أنه يحط منصب النبوة ويشكك فيها ، قالوا وكل ما أدى إلى ذلك فهو باطل ، وزعموا أن تجويز هذا يعدم الثقة بما شرعه من الشرائع إذ يحتمل على هذا . وفي مرسل يحيى بن يعمر عند عبد الرزاق " سحر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عائشة حتى أنكر بصره " وعنده في مرسل سعيد بن المسيب " حتى كاد ينكر بصره " قال عياض : فظهر بهذا أن السحر إنما تسلط على جسده وظواهر جوارحه لا على تمييزه ومعتقده . قلت : ووقع في مرسل عبد الرحمن بن كعب عند ابن سعد " فقالت أخت لبيد بن الأعصم : إن يكن نبيا فسيخبر ، وإلا فسيذهله هذا السحر حتى يذهب عقله " قلت : فوقع الشق الأول كما في هذا الحديث الصحيح أن يخيل إليه أنه يرى جبريل وليس هو ثم ، وأنه يوحي إليه بشيء ولم يوح إليه بشيء ، قال المازري : وهذا كله مردود ، لأن الدليل قد قام على صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يبلغه عن الله - تعالى - وعلى عصمته في التبليغ ، والمعجزات شاهدات بتصديقه ، فتجويز ما قام الدليل على خلافه باطل . وأما ما يتعلق ببعض الأمور الدنيا التي لم يبعث لأجلها ولا كانت الرسالة من أجلها فهو في ذلك عرضة لما يعترض البشر كالأمراض ، فغير بعيد أن يخيل إليه في أمر من أمور الدنيا ما لا حقيقة له مع عصمته عن مثل ذلك في أمور الدين ، قال : وقد قال بعض الناس إن المراد بالحديث أنه كان - صلى الله عليه وسلم - يخيل إليه أنه وطئ زوجاته ولم يكن وطأهن ، وهذا كثيرا ما يقع تخيله للإنسان في المنام فلا يبعد أن يخيل إليه في اليقظة . قلت : وهذا قد ورد صريحا في رواية ابن عيينة في الباب الذي يلي هذا ولفظه " حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن وقال عياض : يحتمل أن يكون المراد بالتخييل المذكور أنه يظهر له من نشاطه [ ص: 238 ] ما ألفه من سابق عادته من الاقتدار على الوطء ، فإذا دنا من المرأة فتر عن ذلك كما هو شأن المعقود ، ويكون قوله في الرواية الأخرى " حتى كاد ينكر بصره " أي صار كالذي أنكر بصره بحيث إنه إذا رأى الشيء يخيل أنه على غير صفته ، فإذا تأمله عرف حقيقته . ويؤيد جميع ما تقدم أنه لم ينقل عنه في خبر من الأخبار أنه قال قولا فكان بخلاف ما أخبر به . وقال المهلب : صون النبي - صلى الله عليه وسلم - من الشياطين لا يمنع إرادتهم كيده ، فقد مضى في الصحيح أن شيطانا أراد أن يفسد عليه صلاته فأمكنه الله منه ، فكذلك السحر ما ناله من ضرره ما يدخل نقصا على ما يتعلق بالتبليغ ، بل هو من جنس ما كان يناله من ضرر سائر الأمراض من ضعف عن الكلام ، أو عجز عن بعض الفعل ، أو حدوث تخيل لا يستمر ، بل يزول ويبطل الله كيد الشياطين