- لما فتح عمر مصر أتى أهلها إلى عمرو بن العاص فقالوا له: أيها الأمير إن لنهر النيل عادة لا يجري إلا بها و هذه السنة لم يجري . فقال لهم: وما هي العادة ؟
فقالوا له: إنا إذا كانت ثلاث عشرة ليلة منهذا الشهر ، عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها، فأرضينا أباها وحملنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون ثم ألقيناها في النيل، فقال لهم عمرو: إن هذا شيء لا يكون في الإسلام وإن الإسلام يهدم ما كان قبله، فأقاموا ثلاثة أشهر لا يجري النيل لا قليلا ولا كثيرا، فكتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه ، يسأله ماذا يفعل فكتب إليه عمر: انك قد أصبت بالذي فعلت، إن الإسلام يهدم ما قبله، ثم كتب إلى عمرو إني قد بعثت إليك بطاقة داخل كتابي هذا إليك فالقها في نهر النيل إذا وصل كتابي إليك، فلما قدم حامل كتاب عمر رضي اللّه عنه إلىعمرو بن العاص فإذا فيها مكتوب: من عبد اللّه عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إلى نيل مصر: أما بعد: فان كنت إنما تجري من قبلك فلا تجر، وان كان اللّه الواحد القهار هو مجريك فنسأل اللّه الواحد القهار إن يجريك. فالقي البطاقة في النيل قبل يوم الصليب بشهر فقد تهيأ أهل مصر للجلاء والخروج من مدينتهم فانه لا تقوم مصلحتهم فيها إلا بمياه النيل، فلما القي البطاقة أصبحوا وقد أجراه اللّه تعالى ستة عشر ذراعا في ليلة واحدة ، فقطع اللّه تلك السنة والعادة التي كان أهل مصر قد اعتادوها و إلى اليوم.
2 : وقعت الزلزلة في المدينة المنورة على عهد عمر . فضرب أمير المؤمنين رضي اللّه عنه الأرض برمحه قائلا: يا ارض اسكني، بإذناللّه ألم اعدل على ظهرك ؟ فسكنت .
3 : وقعت النار في بعض دور المدينة المنورة فكتب عمر علىخرقة: يا نار اسكني بإذن اللّه.فالقوها في النار فانطفأت في الحال. وفي رواية اشتعلت نار عظيمة في المدينة عجز الناس عن إخمادها فبعث عمر بن الخطاب رداءه وقال لمن بعث الرداء معه قل يا نار هذا راء عمر بن الخطاب ولما ألقي الرداء في النار خمدت من لحظتها
4: كان عمر قد أمر سارية على جيش للمسلمين إلى بلاد فارس, فاشتد على عسكره الحال على بوابة نهاوند, وكثرت عليهم جموع الفرس , وكاد المسلمون ينهزموا , وعمر بن الخطاب رضي الله عنه بالمدينة فصعد المنبر وخطب, ثم استغاث بالله ودعا للمؤمنين و في أثناء خطبته أراه الله عزوجل الأرض التي بها سارية وجيشه ورأى أن الفرس يحاولون الهجوم على جيش سارية من وراء الجبل فصاح عمر بن الخطاب بأعلى صوته: يا سارية الجبل ! يا سارية الجبل , من استرعى الذئب الغنم فقد ظلم , يحذره من غدر الفرس وأنهم كالذئاب فأسمع الله سارية وجيشه أجمعين , صوت عمر بن الخطاب فلجئوا إلى الجبل وقالوا : هذا صوت أمير المؤمنين, فنجوا وانتصروا قصة2ما روي أنه بينما كان يعس بالمدينة إذا بخيمة يصدر منها أنين امرأة، فلما اقترب رأى رجلا بدوياً يجلس أمام الخيمة فاقترب منه وسلم عليه، وسأله عن خبره،
فقال الأعرابي انطلق في طريقك ولا تسأل عما لا يعنيك فألح عمر بالسؤال ، فعلم أنه جاء من البادية، يريد أن ينال من عطاء أمير المؤمنين لكن عمر سمع صوت أنين داخل الخيمة فسأل الرجل فقال وما يُعنيك فقال عمر لا بد أن تخبرني فقال الأعرابي إنها زوجتي جاءها المخاض وليس عندها أحد، فتركه عمر و انطلق إلى بيته فقال لامرأته أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب هل لك في أجر ساقه الله إليك؟
فقالت: وما هو؟ قال: امرأة غريبة جاءت مع زوجها من البادية وهي في المخاض وليس عندها أحد ـ قالت نعم إن شئت يا أمير المؤمنين
و انطلقت معه، وحملت إليها ما يحتاجه الوليد و ما تحتاجه من وحبوب وطعام، فدخلت على المرأة،
وراح عمر يوقد النار حتى انبعث الدخان من لحيته، والرجل ينظر إليه متعجبًا وهو لا يعرفه، فلما ولدت المرأة نادت زوجه 'عمر' يا أمير المؤمنين، بشر صاحبك بغلام،
فلما سمع الرجل أخذ يرجع إلى وهو يضع يديه على رأسه وقد أخذته الهيبة والدهشة،وهو يقول يا ويلي أنت عمر أنت أمير المؤمنين وا سوأتاه لقد أغلظت لك القول 00
فسكن عمر من روعه وحمل الطعام إلى زوجته لتطعم امرأة الرجل، ثم قام ووضع شيئًا من الطعام بين يدي الرجل وهو يقول له: كل ويحك فإنك قد سهرت الليل كله ثم قال للرجل ! تعال إلينا في الغد كي نأمر لك بعطاء من بيت يصلحك فلما كان اليوم الثاني جاء الأعرابي فأجزل له العطاء قصة3 خرج الخليفة الفاروق أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين كعادته ليتفقد حال رعيته كما يكون من الحاكم العادل الذي يعتني بشعبه و يهتم لأمره مع صاحبه و صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم عبد الرحمن ابن عوف ..
سار الخليفة العادل على قدميه هو وصاحبه حتى رآى من بعيد في الصحراء نارا موقدة فسارا إليها ليتقصى عن شأنها و يعرف صاحبها ..
و عندما وصل إليها وجد سيدة تجلس أمام النار و عليها قدر كبير و حولها أطفالها و بينما هو كذلك إذ به يسمع أحد صبيانها يقول :
-أمي ..أمي
نظرت اليه و سألته بحنان :
-نعم يا بني
فقال و الوهن يكسة صوته الصغير:
-أنا جائع يا أمي أريد أن آكل شيئا
فتعالى صوت أخيه الثاني و هو يقول مثل قول أخيه :
-أماه إني أكاد أموت جوعا ارجوك يا أمي هل حضر الطعام منذ زمن و نحن ننتظر
فرد ثالث قائلا:
-و أنا أيضا يا أمي متى ينضج طعامنا
ردت الأم و قلبها يكاد ينفطر حزنا و هي تدرك أنها لا تملك ما تمنحهم إياه:
-سيجهز قريبا يا أحبتي فقط صبرا جميلا و الله سيرزقكم طعاما طيبا ألا تصبرون يا صغاري !
فسكن الصبية و عادوا إلى الإنتظار الممل مجددا.
وقف أمير المؤمنين أمامهم و الدهشة تملأ نفسه بل وقف منهارا لا تكاد قدماه تحملانه لما رآى.
و قال بعطف و عيناه تفيضان من الدمع كأنها ماء السماء فاضت بماء منهمر و قلبه امتلأ أسى و حزنا :
-يا أم الأطفال ما هذا القدر؟
فقالت المرأة بأسى و هي لا تعرف أنه أمير المؤمنين الحاكم الذي تدين له كل بلاد الاسلام بالولاء و الطاعة بعد الله و رسوله:
-يا هذا إن أطفالي قد اشتد بهم الجوع و ليس عندي من الطعام ما أقدمه لهم فوضعت ماءا في القدر ووضعت فيه بعض الحصى ووضعت القدر على النار و ليس فيه سوى الماء و الحصى و أنا أشغل الأطفال حتى يناموا جوعى.
فقال عمر رضي الله عنه:
-مما تشكين يا أمة الله؟
قالت له:
-الله الله في عمر (أي تشكو إلى الله عمر رضي الله عنه)
و نزلت هذه الكلمة على قلب الحاكم العادل عمر كأنها الصاعقة فما كان يظن أن يقع يوما في مثل هذا الموقف و هو الحاكم العادل و أمير المؤمنين الذي بايعوه ليقوم على أمرهم
فقال لها:
-و ما شأن عمر يا أمة الله
فقالت:
-أيتولى أمرنا و يغفل عنا و نحن شعبه و رعيته
سمع عمر كل هذا و قلبه منفطر لهذه الكلمات..
فما كان منه إلا أن اسرع إلى بيت مال المسلمين و قال للمرأة قبل ذهابه:
-لا تحزني يا أمة الله لن ينام أطفالك اليوم إلا و قد شبعوا بإذن الله
دخل إلى مخازن الدقيق و حمل منه كيسا و قال للحارس:
-إحمل علي هذا الكيس
فقال الحارس مستفسرا:
-أعنك أم عليك يا أمير المؤمنين
قال عمر:
-بل علي
فكرر الحارس سؤاله مستفسرا إذ كبر عليه أن يسير أمير المؤمنين حاملا الكيس على ظهره.
فقال له أمير المؤمنين عمر:
-إحمل علي الكيس فلست أنت من سيحمل عني ذنوبي يوم القيامة لو سألني ربي عن أم الأيتام
فرفع الحارس الكيس على ظهر أمير المؤمنين و انطلق عمر مسرعا نحو المرأة و أطفالها.
اقترب من الأم و أبنائها فوقف وراء صخرة و أخذ يتأمل فيهم فقال له صاحبه :لنعد إلى البيت يا أمير المؤمنين فالبرد شديد
فقال عمر:
-لا و الله لن أمضي من هنا إلا وأترك الأطفال يضحكون كما وجدتهم من قبل يبكون
خرجت تلك الكلمات من قلب نبيل تدرب على حب الآخرين و درس العطف و الرفق في مدرسة النبوة الشريفة و ذهب عمر وأعد بنفسه الطعام للأيتام و عندما شبعوا و اطمئن عليهم.
كان خيط النور قد بدا يغزو السماء و بدت الظلمة تنحدر نحو الأفق الواسع لتحل مكانها نسائم الفجر و نوره الخافت المتسلل بين خيوط الظلام و يتهادى فوق الرمال الرطبة .
فعاد أمير المؤمنين و صاحبه إلى المسجد لصلاة الفجر و كم كان بكاءه شديدا رضي الله عنه من شدة تأثره بما حصل في تلك الليلة العجيبة.
و من الغد طلب أن ينادوا المرأة التي كان رآها بالأمس.
جلس عمر رضي الله عنه و إلى جانبه الصحابي الجليل علي إبن أبي طالب و الصحابي الجليل إبن مسعود.
و كان علي رضي الله عنه يقول لعمر يا عمر و إبن مسعود رضي الله عنه يقول يا عمر
فنظرت المرأة للرجل الذي يقولون له يا عمر و أدركت أنه الرجل الذي طبخ لأولادها عشاءهم و هو الرجل الذي قالت له تلك الكلمات القاسية فأحست بالوجل..
فلما رآى عمر عليها صفرة الوجل و أحس بارتباكها قال:
-لا عليك يا أخية أنا ما دعوتك لهذا المكان إلا لتبيعي مظلمتك لي و تسامحيني لما كان مني.
فقالت :
-ألتمس العفو يا أمير المؤمنين
فقال:
-لا بد أن أشتري هذه المظلمة
فاشتراها بستمائة درهم من ماله الخاص وكتب في ذلك ورقة شهد عليها علي و ابن مسعود
فقال حينها لمن حوله:
-إذا مت فضعوها في كفني حتى ألقى بها الله كلمات كلها حكم
- ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه ..
- ضع أمر أخيك على أحسنه ، حتى يجيئك ما يغلبك منه ..
- لا تظنن بكلمة خرجت من مسلم شرا وأنت تجد لها
في الخير محملا ..
- من كتم سره كانت الخيرة بيده ..
- من عرض نفسه للتهمة ، فلا يلومن من أساء الظن به ..
- عليك بأخوان الصدق تعش في أكنافهم ، فإنهم زينة في الرخاء
وعُدّة في البلاء ..
- لا تهاونوا في الحلف فيهينكم الله ..
- لا تسأل فيما لم يكن ، فإن فيما قد كان شغلا عما لم يكن ..
- عليك بالصدق ، وإن قتلك الصدق ..
- احذر صديقك إلا الأمين ، ولا أمين إلا من خشي الله ..
- استشر في أمرك الذين يخشون الله ، فإنما يقول :
} إنما يخشى الله من عباده العلماء {
كفى بك عيبا أن يبدو لك من أخيك ما يخفى عليك من نفسك -
أو تؤذي جليسك فيما لا يعنيك ، أو تعيب شيئا وتأتي بمثله ..
- وقال : لأن أموت بين شعبتي رحلي أبتغي فضل الله ، أحبّ إلي
من أن أموت على فراشي ..
- وقال لبعضهم : احذر النعمة كحذرك المعصية ، وهي أخوفهما
عليك عندي !
- وقال رضي الله عنه : أحذركم عاقبة الفراغ ، فإنه أجمع لأبواب
المكروه من السُّكر ..
- كل عمل كرهت من أجله الموت فاتركه ، ثم لا يضرك متى مت ..
- أيها الناس ، ما الجزع مما لابد منه ؟!
وما الطمع فيما لا يُرجى ؟!
وما الحيلة فيما سيزول ؟!
وإنما الشيء من أصله ، وقد مضت قبلنا أصول ونحن فروعها
فما بقاء الفرع بعد أصله ؟
مع كل جرعة شَرَق ..
وفي كل أكلة غصص !
لا تنالون نعمة إلا بفراق أخرى !
فأين المهرب مما هو كائن !!
- من دخل على الأغنياء خرج وهو ساخط على الرزق !!
- أقلل من الدّين تعش حرّا
وأقلل من الذنوب يهن عليك الموت ..
من ملأ عينيه من قاعة بيت قبل أن يُؤذن له فقد فسق ، ومن اطّلع -
على قوم في منازلهم بغير إذنهم فليفقئوا عينه ..
مواقف من سيرة هذا العملاق
بينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه يمر في الطريق إذا هو برجل يكلم
امرأة فعلاه بالدرة .. فقال : يا أمير المؤمنين ! إنما هي امرأتي !.
فقال له : فلِمَ تقف مع زوجتك في الطريق ، تعرضان المسلمين إلى غيبتكما ؟
فقال : يا أمير المؤمنين ! الآن قد دخلنا المدينة ، ونحن نتشاور أين ننزل ..
فدفع إليه عمر الدرة وقال : اقتص مني يا عبد الله
فقال : هي لك يا أمير المؤمنين
فقال : خذ واقتص .. فقال بعد ثلاث : هي لله ، فقال : الله لك فيها ...
أهدى رجل إلى عمر رضي الله عنه جزورا .. ثم خاصم إليه بعد ذلك
في خصومه ، فجعل يقول : افصلها يا أمير المؤمنين كفصل رجل الجزور !!
فاغتاظ عمر رضي الله عنه وقال :
" يا معشر المسلمين .. إياكم والهدايا فإن هذا أهدى إلي منذ أيام رجل جزور
فوالله مازال يرددها حتى خفت أن أحكم بخلاف الحكم "
اتخذ أبو موسى الأشعري نصرانيا - كاتبا لديوانه – فكتب إليه عمر :
اعزله واستعمل حنيفيا
فكتب إليه أبو موسى : إن من خبره كيت وكيت ..
فكتب إليه عمر رضي الله عنه
" ليس لنا أن نأتمنهم وقد خوّنهم الله ، ولا أن نرفعهم وقد وضعهم الله
ولا أن نستنصحهم في الأمر وهم يرون الإسلام قد وترهم ( فجعهم )
ويعطون الجزية عن يد وهم صاغرون "
كان أعرابيا يعاتب زوجته ، فعلى صوتها صوته ، فساءه ذلك منها
وأنكره عليها ثم قال
والله لأشكونك إلى أمير المؤمنين
وبينما هو عند بابه في انتظار خروجه ليسمع شكواه ، سمع امرأته
تستطيل عليه وتقول : اتق الله ياعمر فيما ولاك ، فهم الرجل بالانصراف
وهو يقول : إذا كان هذا حال أمير المؤمنين ، فكيف حالي ؟؟
وفيما هو كذلك خرج عمر ، فلما رآه قال :
ما حاجتك يا أخا العرب ؟
فقال الأعرابي : يا أمير المؤمنين ، جئت إليك أشكو خلق زوجتي
واستطالتها علي ، فرأيت عندك ما زهّدني ، إذ كان ما عندك أكثر مما عندي
... فهممت بالرجوع
فتبسم عمر وقال
" يا أخا الإسلام ، إني احتملتها لحقوق لها علي .. إنها طبّاخه لطعامي
خبّازه لخبزي ، مرضعة لأولادي ، غاسله لثيابي
وبقدر صبري عليها يكون ثوابي "
لما قدم عتبه بن فرقد أذربيجان أوتي له بالخبيص ، فلما أكله
وجد شيئا حلوا طيبا ، فقال :
والله لو صنعت لأمير المؤمنين من هذا ، فجعل له صفطين عظيمين
ثم حملهما على بعير مع رجلين فسرح بهما إلى عمر
فلما قدما عليه فتحهما وقال :
أي شيء هذا ؟
قالوا : خبيص ، فذاقه .. فإذا شيء حلو فقال للرسول :
أكل المسلمين تشبع من هذا في رحالهم ؟
قال : لا ، فقال : فارددهما ثم كتب :
" أما بعد ، فإنه ليس من كدك ولا من كد أمك ، أشبع المسلمين
مما تشبع منه في رحلك "
عن عمر بن مره قال : لقي رجل من قريش عمرا
فقال : لِن لنا ، فقد ملأت قلوبنا مهابة ..
فقال : " أفي ذلك ظلم ؟ "
قال : لا
قال : " فزادني الله في صدوركم مهابة "
بلغه ذات مرة أن عمرو بن العاص في الفسطاط يجلس بين الناس متكئا
وقد كان كبيرا في السن فأرسل إليه محمد بن أبى مسلمة بكتاب يقول له :
" من عبد الله ابن عمر أمير المؤمنين إلي العاصي ابن العاص اذا بلغتك
رسالتي فاجلس كما كان يجلس رسول الله "
: بلغه أيضا أن سعدا صنع بابا على باب الإمارة فمن يأتي يطرقه فقال
يا ابن مسلمة أذهب فاكسر الباب وقل له :
" يا سعد .. يا خال رسول الله ، من حجب بينه وبين الرعية
حجب الله بينه وبين الجنة يوم القيامة "
كان مع أبي موسى الأشعري رجلا ذا صوت ونكاية في العدو
فغنموا مغنما ، فأعطاه أبو موسى بعض سهمه ، فأبى أن يقبله إلا جميعا
فجلده أبو موسى عشرين سوطا وحلقه ، فجمع الرجل شعره وترحل إلى
عمر بن الخطاب ، حتى دخل عليه ثم قال : أما والله لولا النار ، فقال عمر :
صدق والله لولا النار
، فقال : يا أمير المؤمنين ضربني أبو موسى
عشرين سوطا ، وحلق رأسي وهو يرى أنه لا يُقتص منه
فقال عمر : لأن يكون الناس كلهم على صرامة هذا ، أحب لي من جميع
ما أفاء الله علينا ، فكتب عمر إلى أبي موسى :
" سلام عليك ، أما بعد فإن فلانا أخبرني بكذا وكذا ، فإن كنت فعلت
ذلك في ملأ من الناس فعزمت عليك لما قعدت له في ملأ من الناس
حتى يقتص منك ، وإن كنت فعلت ذلك في خلاء من الناس ، فاقعد له
في خلاء من الناس حتى يقتص منك "
فقدم الرجل فقال له الناس : اعف عنه ، فقال : لا والله لا أدعه لأحد من الناس
فلما قعد أبو موسى ليقتص منه ، رفع الرجل رأسه إلى السماء ثم قال :
اللهم إني قد عفوت عنه ...
جيء إلى عمر بمال ، فبلغ ذلك حفصة بنت عمر أم المؤمنين رضي الله عنها
فقالت : " يا عمر ، يا أمير المؤمنين ، حق أقاربك من هذا المال !
قد أوصى الله عز وجل إليك بالأقربين ..
فقال لها : " يا بنية ، حق أقربائي في مالي ، وأما هذا ففيء المسلمين
" غششت أباك ونصحت أقرباك
قدم على عمر رضوان الله عليه ، مسك وعنبر من البحرين ، فقال عمر :
والله لوددت أن آخذ امرأة حسنة الوزن تزن لي هذا الطيب حتى أفرقه
بين المسلمين ، فقالت له امرأته عاتكة : أنا جيدة الوزن ، فهلم أزن لك
فقال : لا
قالت : ولم ؟
قال : " أخشى أن تأخذيه فتجعليه هكذا – وأدخل إصبعه في صدغيه –
تمسحين به عنقك ، فأصيب فضلا عن المسلمين "
افتقد من بيت المال أيام عمر أربعة آلاف درهم ، وكان بيت المال
في يد وهب بن منبه فكتب إليه عمر :
" أما بعد ، فإنا لا نتهم دينك ولا أمانتك ، ولكن نخاف تفريطك وتضييعك ،
وهذا المال للمسلمين ، فإذا صليت العصر من يوم الجمعة ، فاستقبل القبلة ،
واحلف بالله أنك ما أخذتها ، ولا علمت لها آخذا .. والسلام "
نظر رضي الله عنه إلى رجل مُظهر للنسك متماوت ، فخفقه
بالدرة وقال :
" لا تُمت علينا ديننا أماتك الله !! "
ونظر إلى أبي بن كعب ، وقد تبعه قوم ، فعلاه بالدرة وقال :
" إنها فتنة للمتبوع ، مذله للتابع "
وأُتِيَ بنائحة قد تُلتلت ، فقال :
" أبعدها الله .. إنه لا حرمة لها ولا حق عندها ، ولا نفع معها !
إن الله عز وجل أمر بالصبر ، وهي تنهى عنه ، ونهى عن الجزع
وهي تأمر به ، تريق دمعتها وتبكي شجو غيرها
تحزن الحي وتؤذي الميت "
كان رضي الله عنه منصفا حتى مع من لايحبه .. إنه يلتقي
بأبي مريم الحنفي قاتل أخيه زيد بن الخطاب في وقعة اليمامة
فيقول له :
والله لا أحبك حتى تحب الأرض الدم
قال : فتمنعني حقا ؟
قال : لا
قال : فلا بأس ، إنما يأسف على الحب النساء !
كان عمر رضي الله عنه يعس بالمدينة ليلا ، فسمع صوت رجل في بيت
فارتاب في الحال ، فتسوّر ، فوجد رجلا عنده امرأة وخمر ، فقال :
يا عدو الله ، أكنت ترى أن الله يسترك وأنت على معصية ؟!
فقال الرجل : لا تعجل عليّ يا أمير المؤمنين ، إن كنت قد عصيت الله في
واحدة ، فقد عصيته أنت في ثلاث :
قال الله تعالى : } ولا تجسسوا {
وقد تجسست !!
وقال : } وأتوا البيوت من أبوابها {
وقد تسوّرت !!
وقال : } فإذا دخلتم بيوتا فسلموا {
وما سلمت !!!
فقال له عمر : فهل عندك من خير إن عفوت عنك ؟!
قال : بلى يا أمير المؤمنين ، والله لئن عفوت عني ، لا أعود لمثلها أبدا
فعفا عنه ...
سأل أصحابه : أي الناس أنعم بدنا ؟
فكل أجاب برأيه ..
فقال عمر رضي الله عنه ، لكني أقول :
جسد في التراب ، قد أمن العقاب ، ينتظر الثواب